الماضي يعود
في
اليوم التالي ..عندما أشرقت الشمس معلنة عن حضور صباح اليوم الثاني من العام
الجديد كانت جولييت في انتظار سارة لمقابلتها التي حضرت اليها أخيرا و هي تتهادي
في مشيتها كعادتها منذ أن دخلت السجن وعندما حيا بعض قالت سارة :
- هل وجدت شيء البارحة؟
-
كلا للأسف ..لقد كنت محقة.
خرجت
من سارة آهة ألم وهي تقول :
- إذن رجعنا إلى نقطة الصفر.
- إذن رجعنا إلى نقطة الصفر.
- تقريبا.
-
حسنا لا بأس ...هل رأيت أماني كيف حالها؟
هنا
ظهر التوتر على جولييت ..مما أدى إلا تشكك سارة فسألت مرة أخرى بإلحاح:
-
كيف أماني يا جولييت ؟ ..إنها بخير أليس كذلك؟
- في
الحقيقة يا سارة ...أنا آسفة ولكن ..
- ولكن ماذا؟ صرخت سارة بعد أن ازدادت سرعة
تنفسها ..وبدت لجولييت على أنها على وشك الاختناق فلم تجد بدا غير أن ترمي الحقيقة
في وجهها:
- سارة ..أماني ليست في الميتم ...يبدو أنها هربت...
لم يكن لجولييت أن تكمل جملتها فسرعان م انهضت سارة عن كرسيها وهي تصرخ:
-
ماذا؟! .. ليست في الميتم ..اذن أين هي؟
- لقد قلت يبدو أنها هربت البارحة ..لقد كان
الباب مفتوحا لإدخال الزينة يبدو أنها ... وللمرة الثانية توقفت جولييت عن كلامها
جراء صراخ سارة وهي تقول:
-
مستحيل ..مستحيل أن تفعل أماني ذلك.
-
لكن يبدو أنها فعلت ياسارة.
- مستحيل لماذا ابنتي أنا ..و انهارت سارة و هي
تبكي على الكرسي حاولت جولييت أن تواسيها فلم تجد غير أن تقول لها:
-
إنهم يبحثون عنها يا سارة ..لقد أبلغوا عنها الشرطة ..و جوليا تراقب هذا الموضوع.
- و
أين كانت جوليا قبل ذلك ..كيف تسمح لشيء مثل هذا أن يحدث.
- لم
يكن خطأها ..لقد كانت مشغولة في ذلك اليوم ..
- اذن خطأ من . انفجرت سارة غاضبة و هي تجول في
الغرفة ذهابا و إيابا ..فردت عليها جولييت:
-
لكن مدام جوليا رعت أماني بشكل جيد عندما كنت في مارسيليا.
توقفت
سارة فجأة ثم نظرت إلى جولييت فرأت نظرات اللوم بادية في عينيها و هي تقول:
-
لقد سافرت إلى مارسيليا منذ أقل من شهرين . أليس كذلك ..ماذا كنت تفعلين هناك.
توقفت
سارة ونظرت إلى جولييت بعد أن جفت الدموع للحظة عن عينيها:
- وهل
هناك ضرر في أن أذهب إلى مارسيليا لمجرد أعمال.
- هل
كانت مجرد أعمال يا سارة؟
صمتت
سارة وهي تتطلع إلى جولييت بدون أن تنبس ببنت الشفة لذلك واصلت جولييت بنفاذ صبر:
- أرجوك
ردي ..ماذا كان عندك في مارسيليا ؟
و
كما يبدو أن سارة ضاقت ذرعا من تحقيق جولييت في وقت كهذا قالت بثبات و بدون تردد:
-
ذهبت لكي آخذ أغراض الصحفي داماس ..لم يأت بها إلى باريس بل تركها في مارسيليا.
كانت المفاجأة بادية على وجه جولييت وهي تسألتها بتعجب :
- لماذا ؟ ..هل كل هذا تعاطفا منك معه؟
- لماذا ؟ ..هل كل هذا تعاطفا منك معه؟
- لا
..بل أردتها لكي أرى ما فيها إذا كان يمكن أن يزج بمسيو ديريك في السجن.
ازدادت
علامات الحيرة في وجه جولييت و هي تسأل في صوت خافت:
-
لماذا؟
إحمر
وجه سارة ..فجلست على الكرسي و غطت وجهها بيديها .. ولكن كان من الظاهر لجولييت
بأنها تبكي ..لذلك سألتها في لطف:
- لماذا يا سارة؟ ..أرجوك أخبريني؟
- لماذا يا سارة؟ ..أرجوك أخبريني؟
فخرج
صوت سارة متهدجا بدون أن تتحرك و هي تقول:
- إذا أخبرتك بأن مسيو ديريك دمر حياتي فهل ستعذرينني؟
- إذا أخبرتك بأن مسيو ديريك دمر حياتي فهل ستعذرينني؟
لمعت
عينا جولييت في تلك اللحظة و احنت رأسها مقدرة لشعور سارة و قالت:
-
أنا آسفة يا سارة.
- لا داعي للأسف .-قالت سارة بعد أكتسب صوتها
اتزانه- أرجوك ساعديني بأن تبحثي عنها .. لقد أتى والداي الليلة
-
حقا؟
- أجل ..و إنهما مستعدان لمسامحتي ..أنا لست
وحيدة ..لكن هي و حيدة في الخارج ليس معها أحد ..عديني بأنك ستبحثين عنها ..أرجوك.
تحركت
جولييت من مكانها لأول مرة منذ أن أتت و اقتربت من صديقتها لتحضنها و هي تقول:
- أعدك بأن أحاول يا سارة.
* * * *
بعد
نصف ساعة من ذلك ذهبت جولييت و تركت سارة في زنزانتها تفكر بعمق ..وتحاول بقوة أن
تغلق سراديب الماضي ..لكنها لم تفلح .. فتلك اللحظات التي خلت منذ احدى عشر عاما
أصرت على أن تحشر نفسها في الحاضر ..و صور من الماضي ألحت على الظهور من جديد
تذكرت
سارة فرحتها وابتسامتها العريضة التي لم تسع لها الدنيا:
- هل
أنت تحبني؟
-
أجل يا سارة ..أحبك أكثر من أن يستطيع أحد التخيل.
تذكرت
خوف انطمس بنعمة فرح زائلة:
-
جون أنا خائفة ..ماذا سنفعل بعد هذا
-
عزيزتي إن الحياة لا تمنح لحظات السعادة كل يوم ..هل يمكنك أن تعيشي هذه اللحظة
فقط و تنسي القادم ..بالتأكيد سنجد الحل فالرب معنا و هو دوما مع المحبين.
أقشعر
جسد سارة اشمئزازا من نفسها لأنها صدقت كل ذلك.
ثم
تذكرت رسائلها التي تتالت بدون رد:
"جون
أين أنت؟ ذهبت إلى شقتك لم أجدك"
"جون
أرجوك لا يمكنني البعد عنك أكثر ..أرجوك تعال إلي"
"جون
..أين اختفيت ..أنا حامل ..لقد وعدتني بأن لا تتركني"
تذكرت الصدمة عندما استفاقت ..عندما لاحظت أي أنواع من المخدر الذي كانت غارقة فيه ..و كانت المفاجأة أن ما كان جميلا صار حسرة .. و ما كان حنونا صار مصدرا للألم
تذكرت الصدمة عندما استفاقت ..عندما لاحظت أي أنواع من المخدر الذي كانت غارقة فيه ..و كانت المفاجأة أن ما كان جميلا صار حسرة .. و ما كان حنونا صار مصدرا للألم
"ما
الحل ..لا يمكنني المواجهة ..الانتحار ..نعم الانتحار هو أسهل أسلوب للفرار "
تذكرت
كيف قررت في آخر لحظة أن تمنح نفسها فرصة أخرى ..ليس رغبة منها في الحياة ..بل لكي
لا تصلح الاعوجاج بالكسر ..و لكي تمنح الحياة لشخص علة يكون لها سبيلا في غفران
خطيئتها.
ثم
من جديد تذكرت سارة أماني فقفزت من مكانها و صارت تدور حول نفسها ..أين يمكن أن
تكون الآن؟ .. لا يمكنها أن تبقى هنا
..عليها الخروج ..عليها أن تحميها فهي التي تحملت نتيجة خطئها الأول ..خطيئتها
التي كانت ناتجة عن حبها الأعمى .. و لا يمكنها أن تتحمل نتيجة خطئها الثاني ..خطئ
غضبها و رغبتها في الإنتقام.
يوم
جديد خارج الميتم
-
أماني ..أماني ..استيقظي يا عزيزتي.
استيقظت أماني على صوت مدام كوزيت الهادئ ..و
عندما فتحت عينيها ابتسمت بسعادة لأن ما حدث البارحة لم يكن حلما ..فابتسمت لها
مدام كوزيت بدورها و هي تقول:
-
هيا أتغسلي و انزلي فالإفطار جاهز.
وخرجت فتبعتها أماني ..و عندما و خرجا من الباب
قالت مدام كوزيت وهي تشير نحو نهاية الرواق وهي تقول:
-
يوجد حمام في نهاية الرواق ..يمكنك استخدامه
و أطاعت أماني أوامر مدام كوزيت و نزلت الى الأسفل في أقل من ربع ساعة
و وجدت مدام كوزيت تتحرك بصعوبة من هنا وهناك لتحضير مائدة الإفطار فأسرعت إليها
وتناولت منها بعض الأطباق و هي تقول:
-
دعيني أساعدك.
لم تمانع مدام كوزيت المساعدة من أماني بل بقيت في المطبخ تحمص الخبز
في حين كانت أماني تخرج الأطباق. و عندما انتهى تحضير السفرة جلستا و بدأت مدام
كوزيت في ترتيل بعض التراتيل و لكنها أوقفتها عندما نظرت إلى أماني ثم قالت:
-
عذرا نسيت أنك هنا ...هل تصلين معي؟
ترددت أماني في إختيار الرد لكنها قالت في النهاية:
-
في الحقيقة لم يسبق لي فعل ذلك.
-
لا بأس يمكنني تعليمك. قالت مدام كوزيت في سرور.
-
لا يوجد داع لذلك. ردت أماني بسرعة وبدون تفكير ..لكنها لاحظت أثر هذا
الرد على وجه مدام كوزيت حيث اختفت الحماسة التي كانت في وجهها و هي تطلب منها أن
تعلمها ..لذلك تداركت ردها:
-
لكن يسرني أن تقرئيها بصوت عال لكي أسمعك. فابتسمت مدام كوزيت في سرور
من جديد .. ورأتها أماني و هي تعقد يديها أمامها وتغمض عينيها و تقول في خشوع:
-
(يا إلهي الذي في السموات ..آتنا خبز يومنا
).....ثم خيل لأماني أن مدام كوزيت أرخت صوتها ..و أصبحت تراتيلها مجرد لغط لم
تفهمه أماني " يبدو أنها نستني من جديد" فكرت أماني و هي تنظر إلى وجهها
المجعد الخاشع. لم يكن حقا لأماني أي رغبه في أن تسمع أي من تلك التراتيل. ولكن
طريقة مدام كوزيت في فعل ذلك شدتها لمراقبتها. عرفت أماني العديد من الفرنسيين
..كذلك لاحظت فيهم كيف يؤدون هذه الصلاة –هذا إن كانوا يئدونها - بسرعة لكي يبدءوا الأكل ..و لكن رأت في مدام
كوزيت كيف تتلوا بسكون كأنها رحلت لى عالم آخر ..و كيف تتوقف عند كل كلمة.
ثم أخيرا استرخى وجهها و علامات الرضى عليه وقالت:
-
هيا فلنبدأ.
و بدأتا بالأكل. لم يكن من السهل أن يوجد موضوع مشترك لكي تتحدثا فيه
لذلك كان يكسر معظم الوقت الصمت. من غير قليل من التشجيع من مدام كوزيت لأماني لكي
تأكل:
-
كلي يا أماني لماذا لا تأكلين ..تذوقي هذه المربى إنها بالفراولة
..ألا تحبين الفراولة؟ ..هل تحبين أن أدهن لك معها بعض الزبده؟
و كانت أماني تجيبها في معظم الوقت بدون صوت ..فقط بحركات من رأسها.
-
يا إلهي لم أكل هكذا منذ مدة ..لقد نفذ الخبز ..يبدو علي أن أحمص
المزيد منه, حقا إن الرفقة تفتح لشهية. و رفعت مدام كوزيت قامتها للوقوف ولكن
أماني سبقتها و تناولت منها الطبق وهي تقول:
-
لا عليك أنا سأقوم بذلك.
-
هل تستطيعين فعل ذلك؟
-
أجل بكل تأكيد. قالت أماني و هي تدخل المطبخ و واصلت من داخلة:
-
لقد تعودت على أشغال المطبخ منذ أن ..ففي معظم الأحيان كانت أمي تأتي
متأخرة إلى المنزل فأطبخ بدلا عنها.
-
من الرائع أن تتعلم الفتاة الطبخ .. كم أتوق لتذوق طبخك في يوم
من الأيام.
فتحت أماني فمها للرد عليها و لكنها سرعان ما أغلقته ..فلن يكون هناك
يوم آخر هنا ..ففي هذا النهار لابد أن ترجع إلى الميتم و قد تكون هذه آخر لحظاتها
هنا معها ..و هي لا تظن أن هناك حقا فرصة لكي تتذوق مدام كوزيت طبخها ..و لكن هل
غاب الموضوع عن مدام كوزيت؟..أم كان تعليقها مجرد ألفاظ خرجت بعفوية بدون أن
تلاحظ؟ ..هل من الواجب أن تذكرها بهذا الأمر؟ ..أم لا؟ ..هل حقا عليها العودة؟
..أم لا بأس إن بقت هنا؟. كانت أماني تتساءل بدون أجوبه عندما لاحظت أن مهمتها في
المطبخ انتهت و أن عليها الخروج منه الآن. فخرجت من المطبخ و قالت وهي تجلس على
السفرة:
-
هل تأخرت عليكي ؟
-
كلا أبدا.
و استمرا في أكلهما بصمت مطبق أكثر من الأول و عندما انتهيا تعاونها
في إدخال الصحون و هنا قالت مدام كوزيت لأماني أخير:
-
دعي عنك أنا سأغسل الأواني ..فلا أريد أن أتعود على الراحة.
لبت أماني طلب مدام كوزيت بصمت و خرجت من المطبخ, فلحقها صوت مدام
كوزيت:
-
يمكنك التسلي بمشاهدة التلفاز هنا ..جهاز التحكم في الطاولة التي
أمامة.
و جدت أماني حقا جهاز التحكم كما وصفته مدام كوزيت ..فتغطت الزر
الأحمر لفتح التلفاز .. ولكنها لم تتطلع إليه بل كنت عينها على مدام كوزيت ..فلقد
كانت الأريكة التي تجلس عليها تعطي إطلالة جميلة على المطبخ. لم يستهلك غسل الصحون
فترة طويلة فسرعان ما انتهت منه مدام كوزيت ..و لكن بدلا ن الخروج مباشرة فتحت أحد
الادراج و أخذت منه سلة ..ثم ملأت كوب ماء ثم لبست نظارة..و أخذت تتطلع في محتويات
هذه السلة. في الأول أخرجت صندوق و تطلعت في عن قرب لكنها أرجعت إلى مكانه ..ثم
أخذت صندوقا آخر تطلعت في أيضا لكنها لم تعده كالآخر ..بل أخذت منه حبة و بلعتها
ببعض الماء ..ثم أخذت صندوق آخر ..و تطلعت فيه ..و أخذت منه حبة ..و بلعتها ..و
كررت هذة الفعلة عدة مرات. وكانت أمني من مكانها تعد (واحد ..اثنان ...ثلاثة ..لما
كل هذه الأدوية؟! ) و عندما انتهت مدام كوزيت خلعت النظارة و وضعتها في صندوقها ثم
في جيب ثوبها و همت بالخروج. في تلك اللحظة عدلت أماني من جلستها وكفت عن النظر
إليها –فهي لا تريد أن تشعرها بأنها مراقبة- فأتاها صوت مدام كوزيت:
-
القناة الثانية قناة أطفال كان يمكنك مشاهدتها. قالت ذلك وهي تجلس
قربها في نفس
الأريكة ..فلاحظت أماني للمرة الأولى التلفاز ..و لاحظت برنامج عن
الحيوانات البحرية يعرض فيه فقالت لمدام كوزيت:
-
في الحقيقة أنا لست من محبات التلفاز.
-
حقا؟
-
أجل.
-
غريب ..لا يوجد شخص في هذا الزمن شخص لا يشاهد التلفاز ...لكن هذا
أفضل لقد سمعت بأنه يضر بالمخ و يجعل الأطفال أغبياء.
-
و أنت ..ما هي برامجك المفضلة في التلفاز؟ سألت أماني مدام كوزيت التي
ردت:
-
في الحقيقة أنا أيضا لا أحب التلفاز.
ضحكت أماني في مرح وهي تقول:
-
يا لها من صدفة!
فجاوبتها مدام كوزيت بابتسامه ودودة و هي تواصل:
-
لكني في بعض الأحيان اشاهد الأخبار لكي أعرف ما يحدث خارجا .
فاتسعت حدقتا أماني وقالت من جديد:
-
يالها من مصادفة حقا! أنا ايضا أشاهد الأخبار في بعض الأحيان مع أمي.
فقهقت مدام كوزيت هذه المرة وقالت:
-
يبدو أننا حقا نتشابه في أشياء كثيرة ..لكن لا أظن أن من الفخر لك أن
تشبهي امرأة عجوز.
و لم ترد أماني في هذه المرة بغير ابتسامة يسيرة ..لكنها سرعان ما
سألت مدام كوزيت من غير مقدمات:
-
أليس لديك أقرباء من أي نوع؟
-
بالتأكيد لدي -جاوبت مدام كوزيت من غير مانع -لكني بالكاد أعرفهم فنحن
لا نتواصل كثيرا.
-
ألا يوجد شخص يزورك أبدا؟
-
بالتأكيد يوجد بعض الجيران يأتونني في فترات متفاوتة ..و لكن أكثر شخص
يزورني هو مدير أعمال زوجي المتوفي ..فهو الذي يدير ممتلكاته بعد أن مات ..لكنه
أكثر من ذلك يعتبر رب منزل ..فهو يهتم بكل شيء ..يحضر أغراض المنزل ..و يدفع
الفواتير ..و يحدد مواعيد أطبائي ..و يشرف على متاجر زوجي السابق فقد كان زوجي
تاجر أقمشة ..ويحضر لي المصروف كل شهر ..بإختصار هو وسيطي مع العالم الخارجي ..فلا
أضطر للخروج كثيرا.
ثم طرق باب المنزل و همت أماني للذهاب لفتحه ..لكن مدام كوزيت أوقفتها
معللة أن لا أحد يعرفها وذهبت هي بنفسها لفتح الباب ..و بعد فترة عادت هي و معها
رجل متوسط القامة يرتدي بذلة أنيقة ونظارة و يحمل في يده بعض الأكياس ..فاستنتجت
أماني أنه مدير الأعمال الذي تحدثت عنه مدام كوزيت, فوقفت أماني و حيته بأدب ..و
رد عليها التحية و لكن بريبة لم يحاول أن يخفيها ..فشعرت بها أماني و أحست
بالإحراج و باهتزاز وقفتها فهي لم تتمنى في يوم من الأيام أن تلعب دور الدخيل
المستغرب. وكما أن مدام كوزيت أحست بذلك فبادرت بالتوضيح:
-
دعني أعرفك يا مسيو جاك بأماني ..إنها ابنة إحدى جاراتي ..و أمها ليست
موجودة في هذه الأثناء لذلك ستضطر للبقاء معنا بعض الوقت.
فهز مسيو جاك رأسه دلالة على الفهم و ابتسم أخيرا في وجه أماني ..ثم
قال مخاطبا مدام كوزيت:
-
لقد طلبتي مقابلتي في أمر مهم ..فما هو؟
-
أوه ..أجل ..يمكنك وضع الأغراض في المطبخ .. و رافقني إلى تلك الغرفة.
و فعلا لحق مسيو جاك بمدام كوزيت بعد أن وضع الأغراض في المطبخ إلى
إحدى الغرف ..و أغلق الباب. و بقيت أماني و حدها تقلب في القنوات دون هدف ..و أحست
بأن الزمن طويل ..طويل جدا وهي وحدها و تمنت أن تخرج مدام كوزيت بسرعة ..لكن
الأخيرة لم تخرج إلى بعد ساعة ..و خرج معها مسيو جاك ..ثم شيعته عد الباب وهي تقول
"شكرا ..شكرا مسيو جاك لمساعدتك لي كل هذه الفترة ..لا أعرف كيف كنت سأتصرف
بدونك" فرد عليها مسيو جاك "لا تقولي ذلك فأنا أعتبر نفسي فردا من هذه
العائلة ..لقد أمطرني زوجك المتوفي بخيراته" ..وسمعت أماني صوت إغلاق الباب
..و بعد ذلك عادت مدام كوزيت .. وقالت وهي تتطلع من النافذة الفي الصالة المطلة
على الشارع:
-
يبدو لي أنها تثلج بغزارة ..لا يبدو لي أنه من المناسب الذهاب إلى
الميتم في هذا اليوم ..
- الميتم ..!!؟
ردت أماني بعد أن صدمت ..و هي كانت تخال أن مدام كوزيت نسيت الأمر ..و لم تستطع أن
تستوعب الأمر إلى أن قالت مدام كوزيت من جديد:
-
اجل ..لكي أعيدك ..ليس من الجميل أن نذهب وهي تثلج ..ما رأيك في غدا صباحا؟
-
ماذا؟ ...آآآآه نعم ..فهي تثلج بشدة ..أجل أظن أن غدا صباحا وقت
مناسب.
رأت أماني علامات الرضى على وجه مدام كزيت ..و هي أيضا لم تستطع أن
تخفي علامات سرورها ..فهذا يوم آخر ستقضيه خارج الميتم. و قالت مدام كوزيت من
جديد:
-
لكن لا بد أن نجد ما تلبسيه لليوم ..ما رأيك أن أعير من ملابسي.
-
ملابسك؟
-
أجل ..فكما ترين ..أنا لست طويلة جدا ..و اذا استثنينا عتق منظرها
ستكون مناسبة عليك.
-
أجل ..و لما لا. قال أماني و علامات السرور تتجلى أكثر و أكثر عليها.
-
حسنا تعالي معي لكي تختاري شيء يناسبك.
و فعلا صعدا الاثنتان .. وترددا كثيرا في الاختيار إلى أن إنتهى بثوب
زهري اللون طويل الأكمام. و قالت مدام كوزيت وهي تراه على أماني:
-
يبدو أن الطول مناسب ..لكنه واسع قليلا.
-
كلا إنه مناسب تماما.
و بعد ذلك نزل كلتاهما لتحضير طعام الغداء ..و قضيا باقي اليوم في
مشاهدة التلفاز و التعليق على برامجه ..مع أن الاثنتان لم يكونا من محباته ..
وعندما حل موعد النوم ..اتجهت كل واحدة إلى غرفتها و تمنيا لبعضهما ليلة سعيدة.
* * * *