الأربعاء، 11 سبتمبر 2013

في الزنزانة ..!

(2)
 
خلت الزنزانة من الأصوات .....

إلا من صوت واحد ....

السيدة السارة ....

تتهامس أصوات دعواتها المكتومة...

ودموعها الحارة المنحدرة لتسقي خديها و تترك أثرها في السجادة التي هي جالسة فيها .

ثم يفتح باب الزنزانة لتنقطع تلك الأجواء الروحانية ..وتعرف السيدة سارة أن هناك زيارة بانتظارها ...قد كانت مودموزيل جولييت محامية سارة هي من في انتظارها ..تلك الآنسة الهندية ذات العقد الثالث كانت احدى ضحايا الحروب الأهلية في الهند فقد تيتمت و هي ابنة السبعة أعوام فكان مصيرها شوارع كشمير للتسول ..و السرقة ..و النوم, و عندما كانت في الحادية عشر انتشلها من هذا الجو احدى السياح الفرنسيين و انتقل بها الى فرنسا ظنا منه أنه بهذه الطريقة منح لها فرصة العمر ... لكنها كانت مختلفة عن الوسط الذي أتت له حديثا ...

شكلها ..لغتها ..تصرفاتها .. فبعد أن كانت بين المتسولين ..صارت بسرعة بين طلبة بيض مختلفين عنها تماما ..لم يكن يخفى عليها همزات من هم حولها لذلك و بسرعة أحست بالدونية بالرغم بتغير اسمها من هيرا الى جولييت ..و حصرت نفسها بين الكتب لذلك ظهر تميزها في دراستها و في كل المراحل ..حتى في الجامعة حيث كانت مصدر اهتمام من مدرسيها  فأجبرت من حولها لتجاهل أصولها الهندية و تحول شعورها بالدونية إلى شعور بالاختلاف لم يكن ليفارقها الى أن تعرفت على سارة ..شخص غيرها كان غريب عن هنا ..فوجدت فيها الإلفة  و المودة . لم تكن جولييت و سارة متشابهتان إطلاقا ..سارة كانت تريد أن تندمج مع من حولها و تكسر الإحساس الاختلاف ..في حين كانت هيرا –أو جولييت- تظن أن أفضل طريقة
 لقتل احساس الاختلاف هو الابتعاد عن مصدره. لم يكن هذا الاختلاف بين الصديقتين يسبب أي مصدر للإزعاج ..بل كان بالعكس يكمل بعضهما البعض.

كانت جولييت في انتظارها بهدوء ..و لكن لم يخفى على سارة بأنها فاقدة الصبر كما الجالس على الجمر .

بدأ الحوار هادئا فقالت سارة:

- مرحبا

- مرحبا ..كيف حالك؟

- بخير ..و أنت؟

- بخير أيضا.

ثم قالت سارة وهي تجلس قبالة جولييت:

- كيف القضية؟

فردت جولييت وهي تقلب في الأوراق التي بين يديها:

- ليس هناك جديد ..وضعك كما هو

هزت سارة رأسها تفهما ولم تتفاجأ ..بل بالعكس كانت تعلم الجواب مسبقا و هكذا طغى الصمت الى أن سألت جولييت بصوت هادئ لا تختلف وتيرته عما قبلة من أسئلة:

- و أنت؟

كان السؤال غريبا على سارة لذلك ردت:

- أنا ..ما بي؟

- هل هناك جديد بالنسبة لك؟ ..ألم تتذكري شيء قد يفيدك في القضية؟

لم تتمنى سارة أن تسمع هذا السؤال لذلك ردت على مضض:

- أوه ..لا أظن..... في الحقيقة لا

- أريد أن أذكرك بأن وضعك الذي أمامي في القضية وضع تعيس من المفترض أنك الآن في السجن منذ فترة

هزت سارة رأسها تفهما في حين كانت جولييت تواصل:

- و أنت الآن أمامي لم يصدر حكمك بعد ..ومازلت تضيعين وقت القضاة و المحلفين بفعل الحظ

لم يكن هناك رد من سارة سوى هزة رأسها بتفهم نفذ إثره ما تبقى لدى جولييت من صبر لذلك قالت بصوت حاد:

- إذن عليك أن تعلمي بأن هذا الحظ لن يبق معك طويلا ..وقريبا جدا ستجدين نفسك في السجن بمحاكمة لن تقل مدتها عن خمس سنين

أثار هذا الكلام توتر سارة لذلك قالت و الخوف باد على صوتها:

- ألا يوجد أمل؟

- بلا يوجد أمل بالتأكيد فقد تذكري أي شيء ..أي شيء بعدها يمكنني أن أحول القضية لصالحك

بدأت السيدة سارة بقضم أظافرها من التوتر ..في حين كانت جولييت تواصل:

- ألا يوجد شيء غريب حدث لك قبل الحادثة مباشرة ..عداوة ..شجار ..ربما تصرف غريب من أحد الجيران؟

أطرقت سارة تفكر و هي مازالت تقضم في أظافرها ثم قالت:

- ليس لي أي أعداء يا جولييت أنت تعرفينني جيدا

فردت جولييت و هي تنهض عن الكرسي:

- أنا أعرفك جيدا و لكن هناك قضاة لا يعرفونك ..ومحلفين أيضا ..وهناك مدعي عام يطالب المحكمة بأشد العقوبة من أجلك ..فكري بكل هذا أرجوك

 في هذه اللحظة توقفت سارة عن قضم أظافرها فتهللت التباشير في وجه جولييت ظنا منها أنها تذكرت شيء ..ولكن خاب أملها عندما قالت :

- لا أذكر شيء غريب ..لقد كانت حياتي عادية جدا قبل قدوم الشرطة

أحست جولييت بأن هنالك صخرة تهاوت على رأسها لذلك جلست من جديد على الكرسي بيأس ..وحاولت تمالك شتات صبرها ..ثم أخيرا قالت بعد أن استعادت قوتها من جديد:

- حسنا ...سنحاول من جديد

بدت علامات الاستفهام  متجلية على وجه سارة في حين كانت جولييت تواصل:

- قلت أن ليس لديك أعداء ...حسنا تذكري قضياك ...ربما أحدها كان سبب في كل ذلك ...

- جولييت.... قال سارة محاولة أن تقاطع جولييت لكن الأخيرة لم تكن لتسمح له إذ واصلت دون أن تعطيها فرصة:

- سارة أرجوك ...أنت تريدين البراءة ..و أنا أيضا أريد لك ذلك ...لذلك أرجوك دعيني أقوم

بعملي. صمتت سارة فعتبرت جولييت ذلك دلالة على الموافقة لذلك واصلت:

- متى كانت آخر قضية لك؟

أغمضت سارة عينيها كأنها تحاول التذكر ثم قالت:

- منذ مدة ...تقريبا أكثر من شهرين

- شهرين؟!

- أجل

- حسنا عن ماذا كانت ؟

أغمضت سارة عينيها مرة أخرى ...لكن هذه المرة طال التفكير فبادرت جولييت قائلة:

- ألا تتذكرين آخر قضاياك؟!

- ربما ...الأمر منذ مدة طويلة

لم تخفي جولييت تشككها ....رأت سارة هذا التشكك ....فثارت ثورتها ....فسألت بعصبية :

- مابك يبدو أنك لا تصدقينني؟

تغيرت ملامح جولييت ..ثم قالت محاولة تهديء سارة:

- كلا أصدقك ...ولكن شهرين يبدو لي مدة طويلة جدا لمحامية مثلك .

- فعلا طويلة ...لكن حصلت لي ظروف ..فلقد اضطررت للتغيب عن المكتب لمدة منذ فترة ...

قالت سارة ذلك تلقائيا دون شعور ...و لكنها عضت شفتها من الندم عندما علمت أنها تسرعت ....فبالرغم من سمرة  وجه جولييت إلا أن أثار جريان الدم فيه بسرعة لم تكن خافية علية ....نهضت عن جلوسها بسرعة سقط بسببها الكرسي فأحدث ضجيجا اهتز له كيان الحارس الواقف في الخارج ....ثم قالت بلهجة لم تقع على أذن سارة من قبل حتى ظنت أنها استعرته في تلك اللحظة:

- هل قلت قبل قليل أنك غبت عن عملك ؟

- أجل ...لقد أخبرتك من قبل

- كلا لم تفعلي 

- بلا أنا متأكدة.... قد تكوني نسيت

- لا تحاولي تخدعيني سارة ...أنت تعلمين أني لا أنسى أشياء كهذه

صمتت سارة عندما علمت بأنه لا فائدة من المماطلة ....لذلك قالت لتغير الموضوع :

- ربما أكون نسيت أن أخبرك ....أنا آسفة

- هل بالسهولة يا سارة تنسين شيء كهذا؟...لم تستطع سارة الرد لذلك واصلت جولييت :
- ولماذا تغيبت عن المكتب كل هذه المدة ؟

زاغت عينا سارة ...ولعبا في محجريهما قبل أن تجاوب :

- لقد كنت في المنزل ....لقد كانت أماني مريضة فاضطررت أن أبقى معها

- أماني مريضة ؟! -قالت جولييت بسخرية- هل تريديني أن أصدق؟ لم ترد سارة بغير الخجل
الذي أصبغ على وجهها حمرة وردية استدلت بها جولييت على ما كان يدور في بالها لذلك قالت:

- أنت تخفين شيء يا سارة

كان الصمت من سارة مرة أخرى لم تتحمله جولييت ...لذلك التفتت للخروج وهي تقول :

- لا يمكنني الاستمرار ...اعذريني سارة  أمر لم يكن أأد

- جولييت ! -صاجت سارة و هي ترى هذا المنظر غير مصدقة- لا يمكنك أن تتركيني

- لا أريد أن أتركك ....ولكني لا يمكنني البقاء دون فائدة

- آسفة جولييت ...أجل أنا أخفي بعض الأسرار

- أريد هذه الأسرار

- حسنا جولييت ...ارجعي مكانك. لكن جولييت لم ترجع مكانها فقالت سارة:

-  الا تصدقينني يا جولييت

- يصعب علي تصديقك بعد الآن

- أعدك جولييت بأني سأخبرك الحقبقة كلها ...لكن أرجووك اجلسي

اقتنعت جولييت أخيرا وحاولت الجلوس لكنها اكتشفت أن الكرسي التي كانت تجلس علية مطروح أرضا ....فعدلته و جلست و هي تقول :

- هيا أنا أسمعك 

 أغمضت سارة عينيها و أخذت نفسا عميقا ..ثم أخيرا فتحت عينيها و بدت تتكلم بهدوء:

- قبل شهرين توليت قضية, لقد كانت لصحفي في قضية مخدرات ..لم يكن له محامي فتوليت قضيته بطلب من المحكمه, لقد كانت القضية ضده سوداء. لم يكن في وسعي فعل شيء من فقد قبض عليه متلبسا, و هو يحمل الممنوعات في حقيبته محاولا الهرب خارج المدينة ..لم يكن لدي أمل بأني قد أستطيع اخراجه من السجن وكنت صريحة معه و أخبرته بذلك ..لكنه ..

- لكنه ماذا؟ ..

ترددت سارة قبل أن تواصل :

- لكنه قال أنه يريد أن يبقى في السجن و طلب مني أن أجعلة يمكث أطول فترة ممكنة فيه ..

- و هل وافقت؟

هزت سارة كتفيها وقال:

- لقد كان سيبقى في السجن إن وفقت أو لا

- لكن لماذا أراد أن يبقى في السجن ؟

- هنا يكمن بيت القصيد .. لا شك في أنك سمعت عن مسيو ديريك ..جون ديريك ..رجل الأعمال الذي حصل على ثروته في أقل من خمس سنين

- أظن ذلك .. أليس هو من حوكم بتهمة المتاجرة بالمخدرات لكنة أفرج عنه بسبب عدم كفاية الأدلة ثم عين نائب في البرلمان في الشهر أغسطس الماضي  أي بعد أقل من عام من تلك الحادثة

- أجل .. لقد قال لي بأنه قبل أربع شهور وصلت بعض المعلومات للشرطة القضائية بأن هنالك شحنة من الممنوعات ستعبر البحر إلى فرنسا في شهر أكتوبر , و بطريقة ما تسربت هذه المعلومات إلى وسط الصحافة .. وأصبح الجميع في سباق التكهنات و بما أن مسيو جون كان قد استلم الحصانة مؤخرا .. كما أنه كان في موضع الاتهام من مدة ليست بطويلة .. كان هو المتوقع الأول .. لقد كان ويليام في ذلك العهد صحفي جديد و كان لديه زميل في نفس المهنة قد تعاهدا على أن يكونا أول من يعرف حقيقة المخدرات القادمة ..تكفل هو بمتابعة الأحداث مع الشرطة وتكفل صديقة بمراقبة مسيو ديريك ..ولكن للأسف يبدو أنهما كشفا ..فقد وجد صديقه مقتولا في شقته و كانت الشقة في حاله يرثى لها كأنهم كانوا يبحثون عن نتائج بحثه

- و هل وجدوا شيئا؟

- لا ..فقد كان أعطى كل شيء قبل يومين لوليام ..و الذي خاف بدوره على حياته فسافر مباشرة بعد معرفة الخبر إلى باريس

- لماذا هرب ؟ لماذا لم يسلم كل شيء إلى الشرطة ليدان مسيو ديريك وينتهي كل شيء ؟!

- لأنه لم يكن هناك شيء ليسلموه للشرطة:

- كيف ذلك؟

- أعني أنه لم يكن هناك شيء يدين مسيو ديريك ..لقد كان هناك صور و فيديوهات لمسيو ديريك لكنها لم تكن كافية لكي تزج به في السجن ..خصوصا أنه نائب في البرلمان

- حسنا ..لماذا يطارده مسيو ديريك و ليس هناك ما يدينه؟

- وكيف له أن يعرف بأن ليس هناك ما يدينه ..لقد عرف أنه كان مراقب و هذا كاف ليقلقه   

- حسنا أين هو موقعك بالضبط من كل هذا؟ .. قالتها جولييت و هي ترخي جفونها علامة للضجر

-  موقعي أن مسيو ويليام عندما وصل باريس شك بأنه ملاحق لذلك خطط للسفر خارج البلاد و عند محاولته لفعل ذلك قبض عليه ومعه مخدرات و بعدها تعرفين القصة

- لا أفهم حتى الآن ...

- ليتك يا جولييت أن تصبري و تسمحي لي أن أواصل ..

هزت جولييت رأسها آذنة لها أن تواصل فواصلت سارة :

- كما أخبرتك ..لقد عينوني محامية له بعد أن دخل السجن و عندما أخبرته بسوء وضعه قال أنه لا يهتم لذلك ..لكنه طلب مني .. أن آخذ جميع نتائج مراقبته لمسيو ديريك

في تلك اللحظة خرجت عينا جولييت من محجريهما و قفزت بسرعة جفلت لأجلها عينا سارة:

- لا تقولي لي أنك وافقت؟

- و لماذا أرفض؟

و ضعت جولييت يدها في رأسها و مسحت على شعرها بعصبية ثم قالت:

- شكرا لطيبة قلبك لأنها السبب في وضعك هذا

- جولييت أرجوك لا تتصرفي هكذا ..كيف لي أن أعلم .....

قاطعتها جولييت بصوت هادر:

- كيف لك أن تعلمي ؟! ..... بعد كل الذي سمعته منه .... كيف لك أن تعلمي ؟!

صمتت سارة ..لم يكن هناك رد مناسب فهي على حق .. عند ذلك واصلت جولييت:

- حسنا كيف أصل إلى مسيو ويليام هذا ؟

- لا تستطيعين ... لقد مات

اتسعت عينا جولييت عندما قالت سارة ذلك و هي تقول :

- متى؟

- منذ فترة ..لقد وجد في السجن مقتولا و عليه آثار تعذيب.

- هم من فعلوها أليس كذلك

- بالتأكيد ... ولابد أنه أخبرهم عني قبل أن يقتلوه.

جلست جولييت أخيرا و لاذت بالصمت  و كان البريق الذي يخرج من عينيها هو الذي أكد لسارة أنها تفكر بعمق لذلك صمتت هي الأخرىـأأأأااحششىنحص ...ثم أخيرا قالت جولييت :

- إذن ...أين هي نتائج البحث تلك

- لقد أخذتها من خزانة في محطة القطار إلى المنزل

- إذن هي في منزلك ؟

- من المفترض

في تلك الأثناء ابتسمت جولييت إبتسامة نصر ...حاولت أن تكتمها لكنها لم تستطع ..وعندما رأتها سارة سألتها :

- ماذا؟ ...يبدو أن هناك شيء مفرح

- شيء مفرح ...بالتأكيد هناك أشياء مفرحه ...هل تعلمين أن بكلامك هذا قد يتغير مجرى القضية كلها

نظرت سارة لى جولييت نظرة أحدهم لمن فقد عقله و قالت:

- أرجوك لا تمازحيني ..لست في مزاج لذلك

- أنا لا أمازح- إعترضت جولييت – حسنا في الماضي كانت القضية تحتويك أنت فقط ..لم يكن هناك أمل ...أما الآن بكل ماقلتيه يمكنني فعل شيء ..خصوصا بوجود مسيو ديريك ..و موت ذلك الصحفي في ظروف غامضة ...بالتأكيد سيكون هناك من يشهد بأنه كان يراقب ديريك .. ستتضح الكثير من الأمور سارة

- ماذا؟ هل ستزيلي التهمة عني لتوجيهها إلى نائب في البرلمان ..لا تكوني حالمة

- أنا لست حالمة ..قالت جولييت في إصرار وهي تنظر إلى عيني سارة.. لا يهمني إن كان نائب في البرلمان أو غيرة فالكل يشمله القانون

استطاعت سارة أن ترخي كتفيها ..فهي لم تفعل ذلك منذ مدة .. وأخذت تنهيده أشعرتها أن هذه المرة الأولى التي تنفست فيها منذ أن دخلت السجن ..و قالت و الأمل يقفز من عينيها:

- إذن هنالك أمل؟

- أكثر من أمل واحد ..قالتها جولييت بعد أن بدلت نظرة الإصرار التي في عينيها إلى نظرة حنان ...ثم قالت بنفس النبرة الهادئة :

- إذن أين نتائج البحث بالضبط

هنا تدخل الشك من جديد الى جولييت عندما رأت نظرة الرعب في عيني سارة و هي تقول:

- أوه يا إلهي ..لا أظنك قد تجديها

- ماذا تعنين ؟

- لقد خبأتها في منزلي ..لكني لا أظن ن تمر كل هذه المدة دون أن يحاولوا البحث عنها ..بالتأكيد أنهم بحثوا عنها و وجدوها

إرتسم الشحوب على وجه جولييت و أطلقت عدة لعنات بعد ما سمعته ..لكنها إستمرت :

- إذن لابد من المحاولة ... أين أخبأتها بالضبط.

 

*                             *                                    *                            *

لم تمض ساعة ..بل نصف ساعة منذ أن خرجت جولييت من عند سارة حتى أخبرت الأخيرة بأن هنالك من يريد زيارتها "هل نست جولييت شيئا فأتت من أجلة أم ماذا؟" ..سألت سارة نفسها لكن لم تطول المدة حتى عرفت سارة أنها أخطأت التقدير.. فمنذ أن رأت زائرها ..إغرورقت عيناها بالدمع و صرخت بأعلى صوت لها "أمي أبي" و ارتمت في أحضانهما و أثناء ذلك سمعت صوت أمها الحنون بعد أن طال بها فراقه يقول "يا الله كم اشتقنا إليك!".

قبل السيد أحمد-والد سارة – رأس ابنته , ثم قالت سارة و هي تمسح دموع عينيها :

- كيف عرفتما بذلك:

- من الجرائد – قال السيد احمد لقد حضرنا جميع محاكماتك ..لكننا لم نستطع أن نزورك قبلا لأننا ....

- لم نجد وقتا ..قاطعت السيدة رهام زوجها وهي تنظر إليه نظرة عتاب ثم واصلت بعد أن وجهت نظرها إلى سارة :

- في الحقيقة كنا نريد أن نراك بعد أن تخرجي من السجن

ارتسمت بسمة صغيرة على وجه سارة و لكن لم يخفى على والديه أنها بسمة كئيبة ثم قالت وهما يجلسان:

- لقد كنت أتمنى أن تروني بعد كل هذه المدة في حال أفضل من هذه.

و كأن هذه الكلمات الأخيرة ذكرت السيد أحمد بشيء ما فابتدر يقول:

- ماذا حدث؟ .....ماذا حدث قبل كل هذة المدة ؟

دهشت سارة من السؤال ...فهو السؤال الوحيد الذي لم تخطط له جواب ..فاحمر وجهها ولكن دون أن يلاحظ سيد أحمد شيء واصل بصوت أعلى:

- لماذا رحلت هكذا بدون سبب؟... كأن ليس لك أهل ....ثم..ثم ما حقيقة أمر ماسمعناه في الجرائد.

تواصل التحقيق ضد سارة مما زادها خجلا على خجل .. وانكسارا عل انكسار حتى أنها لم تقو على أن ترفع رأسها من جديد في وجه أبيها. شعرت والدتها بذلك لذلك قاطعته قائلة :

- أحمد ليس الآن وقت هذه الأسئلة .....أرجوك .

صمت السيد أحمد لكن نظراته الثاقبة ظلت تخترق سارة كالرصاص ...وظل على هذه الحال فترة منتظرا إجابة من سارة ..لكنها خيبت أملة ..فنظر إلى السيدة رهام وقال:

- أنا أنتظرك خارجا.....ثم خرج.

لم تره سارة وهو يرحل لأنها كانت كل هذه المدة تنظر نحو الأرض ..لكنها سمعت صوت إغلاقه للباب حتى دون أن يودعها فشعرت بثقل في قلبها و امتلأت عيناها بالدمع وهي تقول:
- إنه غاضب

- أوه ...أجل إنه يثور سريعا كالبركان ...قالت السيدة رهام ثم واصلت وهي تطمئن في ابنتها:

- لكن من الجيد أنه يهدأ أسرع من البركان

ابتسمت سارة رغما عنها ...نظرت السيدة سارة إلى تلك الابتسامة فشعرت بالراحة كأنها تأكدت أن هذه هي ابنتها حقا ..مما أكسبها ذلك الشجاعة لتواصل كلامها :

- تلك السنين لم تكن سهلة ...قد تعتقدين أننا نسيناك و أننا لا نتذكرك إلا من حين لآخر ..لكنك مخطئه في الواقع لا يمر يوم دون أن نتخيلك فيه ..غرفتك ..أغراضك ..كل مكان تجولت في من قبل يعيد لنا ذكرك ..خططنا مرارا أن نحرق كل ما يخصك و لكننا لم نجرأ ..لا أنكر أن والدك كان غاضبا جدا ..كلما نذكرك يصرخ فينا مكررا بأنك لست ابنته وأنك لا تنتمين إلى عائلتنا ..لكن لا يمكنك أن تلوميه فهو لم يجد عذرا مقنعا لرحيلك.

- لقد ....لقد ....ظننت أن .....

تلعثمت سارة و حاولت البحث عن كلمات مناسبة لتصيغ بها الموقف لكن الكلمات خرجا متقطعة بدون صياغة لذلك خففت عنها السيدة رهام بقولها :

- لا.... لا سارة أنا لم أقل كل هذا لتبرري الآن ...لقد حاولت فقط أن أصيغ لك أن الذي جعل والدك ينسى كل هذه السنين من الغضب و يعود يبحث عن ابنته الضائعة هو كفيل بأن يخفف غضبه الآن ..أليس كذلك.

- أنتما ..أنتما رائعان ..أنا لا أستحق كل هذا.

- أنت ابنتنا و تستحقين كل ما نستطيع أن نفعله من أجلك.

- اذن كيف حال نهال و محمد ؟ ...قالت سارة بعد أن أكسبت صوتها بعضا من الحيوية فردت عليها السيده رهام:

- بأتم خير وعافية ..لقد كان العام الماضي حافلا بالنسبة لنا لقد تخرجت نهال من كلية الصيدلة و دخل محمد كلية الطب

- يا إلهي ! من كان يتخيل ! ..محمد الذي كان يشكوا منه أساتذته بأنه ينام ثلاث حصص في اليوم دخل الجامعة؟!

- صدقيني لقد تغير .. و ضحكا معا قبل أن تعيد سارة جو الكآبة من جديد وهي تقول:

- لقد كانا صغيرين عندما تركتهما

- لم يكونا صغيرين جدا...يستطيعان أن يتذكرانك

- هل يعلما أني هنا ؟

- لا ...لقد قررنا أن نخبرهما بعد أن تخرجي من السجن

- ليت ذلك

تلا ذلك صمن المرأتين حتى تكلمت سارة وصوتها يتهدج:

- أنا بريئة صدقيني

ربتت السيدة رهام على كتف سارة و ردت:

- أصدقك

فواصلت سارة بعد أن بدأت الدموع تنحدر على خديها:

- و ضعي سيء في المحكمة ...لا يوجد سبب ليزيلوا أصابع الاتهام عني ....محاميتي هي مودموزيل جولييت .. كانت صديقتي في الجامعة ....إنها تقف معي أكثر من محامية بل صديقة أيضا

لم ترد السيدة رهام بشيء غير أن عينيها امتلأت بالدموع في حين واصلت سارة:

- أرجوك أمي ...إذا حدث ولم أخرج من هنا لا تخبر أخوي بأنكما عرفتما مكاني

- لا تقولي ذلك ...لدي إحساس بأنك ستخرجين فليس الذي جمعنا بعد كل هذه السنين لكي يفرقنا من جديد

-   آه..  أتمنى ذلك ...أتمنى ذلك أكثر من أي شيئ آخر في هذه الساعة .
نظرت السيدة جولييت نحو ابنتها في حنان ..ثم نظرت بعد ذلك  في ساعتها قالت:

- لقد تأخرت ..علي الذهاب الآن فقد تأخرت على والدك... سأراك مرة أخرى الى اللقاء.

لقد انصرفت السيدة رهام .. وتركت سارة وحيدة لكنها لم تكن تشعر بالوحدة ..بل أن تلك السنوات التي قضتها بعد أن تركتها برغم من كثرة الناس حولها كانت أكثر السنين وحدة في حياتها ..و لكن هناك شعور آخر تشعر به ..شعور غريب ..فهي سعيدة لأنها دخلت السجن فلولا ذلك لما كانت لتجد والديها بعد كل هذه المدة ..و يبدو أنها أخيرا آمنت بالمثل القائل "رب ضارة نافعة
                  *                           *    *                                *

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق